الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.{ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}: وقرأ الباقون خطوات بضم الطاء وحجتهم أن أصل فعلة إذا جمعت أن تحرك العين بحركة الفاء هذا المستعمل في العربية مثل ظلمة وظلمات وحجرة وحجرات وقربة وقربات وخطوة وخطوات وقالوا ولم تستثقل العرب ضمة العين. .{قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}: فقرأ الكسائي جميع ذلك بالإدغام دخل حمزة معه عند التاء والثاء والسين وقرأ الباقون جميع ذلك بالإظهار. حجة الكسائي في ذلك أن هذه اللام لما كانت ساكنة في الخلقة أشبهت لام المعرفة فأدغمها عند هذه الحروف كما تدغم لام المعرفة عندهن فأجرى لام هل وبل مجرى لام المعرفة فأدغمها فيما أدغم فيه لام المعرفة ألا ترى أنه لم يدغم لام قل في شيء لأن سكونها عارض وأن الحركة أصلها وكذلك ومن يبدل نعمة الله وحجة من أظهر لام هل وبل أن هذه اللام تفارق لام المعرفة من جهة أن كل واحدة منهما من حرف يسكت عليه والذي لقيها من حرف آخر فضعفت عن الإدغام الذي يكون في الحرف الواحد الذي لا يفصل بعضه عن بعض. .{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}: وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع وحجتهم أنهم كرهوا الضم بعد الكسر لأن يثقل على اللسان فضموا ليتبع الضم الضم. وحجة الكسر أن الساكنين إذا اجتمعا يحرك أحدهما إلى الكسر كقوله وقل الحق من ربكم وذكر اليزيدي عن أبي عمرو قال وإنما كسرت النون لأنني رأيت النون حرف إعراب في حال النصب والرفع تذهب إلى الكسر مثل قوله: غفورا رحيما النبي، وقوله: {والله عزيز حكيم} الطلاق قال فإذا كانت النون نفسها فهو أحق أن يذهب بها إلى الكسر قال والتاء والدال بمنزلة النون وهما أختا النون إذ كانت لام التعريف تندغم فيها كإدغامها في التاء والدال فتقول هي التاء والدال والنون فترى اللام فيهن مدغمة وضم الواو لأن اللام تظهر عند الواو وضم اللام في قوله: {قل ادعوا الله} كراهية كسرة اللام بين ضمتين ضمة القاف وضمة العين فأتبع الضمة الضم. .{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله}: قرأ نافع وابن عامر ولكن خفيفة البر رفعا وقرأ الباقون ولكن البر بالتشد والنصب اعلم أنك إذا شددت لكن نصبت البر بلكن وإذا خففت رفعت البر وكسرت النون لالتقاء الساكنين وقد بينت الحجة فيما تقدم. .{فمن خاف من موص جنفا}: وقرأ الباقون موص بالتخفيف وحجتهم قوله: {يوصيكم الله} و{من بعد وصية توصون} قال الكسائي هما لغتان مثل أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وقد روي عن أبي عمرو أنه فرق بين الوجهين فقال ما كان عند الموت فهو موص لأنه يقال أوصى فلان بكذا وكذا فإذا بعث في حاجة قيل وصى فلان بكذا. .{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}: وحجة من أضاف الفدية إلى الطعام أن الفدية غير الطعام وأن الطعام إنما هو المفدى به الصوم لا الفدية والفدية هي مصدر من القائل فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية فإذا كان ذلك كذلك فالصواب في القراءة إضافة الفدية إلى الطعام. وحجة من قرأ مساكين قوله قبلها: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} ثم قال: {أياما معدودات} قال إنما عرف عباده حكم من أفطر الأيام التي كتب عليه صومها بقوله أياما معدودات فإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن تكون القراءة في المساكين على الجمع لا على التوحيد وتأويل الآية وعلى الذين يطيقونه فدية أيام يفطر فيها إطعام مساكين ثم تحذف أياما وتقيم الطعام مكانها قال الحسن فالمساكين عن الشهر كله والأيام. .{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله}: وقرأ الباقون القرآن بالهمز مصدر قرأت الشيء أي ألفته وجمعته قرآنا قالوا فسمي بالمصدر وحجتهم قوله: {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه أي جمعناه فاتبع قرآنه} أي تأليفه. قرأ أبو بكر ولتكملوا العدة بالتشديد من كمل يكمل وحجته قول الناس تكملة الثلاثين عن أبي بكر ولتكملوا بالتشديد وقال شددتها لقوله ولتكبروا الله. وقرأ الباقون بالتخفيف من أكمل يكمل وحجتهم قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} وهما لغتان مثل كرمت وأكرمت قال الله ولقد كرمنا بني آدم وقال أكرمي مثواه. .{أجيب دعوة الداع إذا دعان}: وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل وحجتهم أن ذلك في المصحف بغير ياء فلا ينبغي أن يخالف رسم المصحف وحجة أخرى وهي أنهم اكتفوا بالكسرة عن الياء لأن الكسرة تنوب عن الياء. .{وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}: .{ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم}: وقرأ الباقون ولا تقاتلوهم بالألف أي لا تحاربوهم حتى يحاربوكم فإن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} وحجة أخرى وهي أن القتال إنما يؤمر به الأحياء فأما المقتولون فإنهم لا يقاتلون فيؤمروا به وإذا قرئ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه كان ظاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وذلك محال إذا حمل على ظاهره وحجة من قرأ بغير ألف أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ في المدح والثناء عليهم وأن معنى ذلك ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوا بعضكم فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم وحكى الفراء عن العرب أنهم يقولون قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم وحجة أخرى جاء في التفسير أن المعنى فيه ولا تبدءوهم بالقتل حتى يبدءوكم به فإن بدءوكم بالقتل فاقتلوهم. .{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}: وقرأ الباقون جميع ذلك بالنصب وحجتهم قول ابن عباس ولا جدال في الحج قال لا تمار صاحبك حتى تغضبه فلم يذهب بها ابن عباس ذلك المذهب ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأولين وأن حرف النهي دخل في الثلاثة وحجة من فتح أن يقول إنه أبلغ للمعنى المقصود ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس وإذا رفع ونون فكأن النفي لواحد منه فالفتح أولى لأن النفي به أعم والمعنى عليه لأنه لم يرخص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخص في ضرب من الجدال فالفتح جواب قائل هل من رفث هل من فسوق من يدخله للعموم ولا أيضا تدخل لنفي العموم وإذا قلت هل من رجل في الدار فجوابه لا رجل في الدار. وحجة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس النفي وقتا واحدا ولكنه بجميع ضروبه وقد يكون اللفظ واحدا والمراد جميعا. .{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}: وحجة الكسائي أن العرب إذا زادت على الثلاثة من ذوات الواو حرفا أمالته وكتبته بالياء من ذلك قوله: {أدنى} ويدعى حمزة إذا وقف على مرضات الله وقف عليها بالتاء وهي لغة للعرب يقولون هذا طلحت بالتاء. والباقون إذا وقفوا عليها وقفوا مرضاه بالهاء وحجتهم أنهم أرادوا الفرق بين التاء المتصلة بالإسم والتاء المتصلة بالفعل فالمتصلة بالاسم نعمة والمتصلة بالفعل قامت وذهبت. .{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}: وقرأ الباقون في السلم بالكسر أي في الإسلام وقال قوم هما لغتان قال الشاعر: .{وإلى الله ترجع الأمور}: ولم يقل تصار فلما أسند الفعل إليها بإجماع ردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه. وقرأ الباقون ترجع بضم التاء وفتح الجيم أي ترد الأمور وحجتهم قوله: {إليه تحشرون} وتقلبون فجعلوا الأمور داخلة في هذا المعنى والمعنيان يتداخلان وذلك أن الله هو الذي يرجع الأمور فإذا رجعها رجعت فهي مرجوعة وراجعة. .{وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}: وقرأ الباقون حتى يقول بالنصب وحجتهم أنها بمعنى الانتظار وهو حكاية حال المعنى وزلزلوا إلى أن يقول الرسول. واعلم أن حتى إذا دخلت على الفعل فلها أربعة أوجه وجهان في الرفع ووجهان في النصب. فأما وجها الرفع فأحدهما كقولك سرت حتى أدخلها فيكون السير واقعا والدخول في الحال موجودا كأنه قال سرت حتى أنا داخل الساعة وعلى هذا قوله: {حتى يقول الرسول} أي حتى الرسول قائل. والوجه الثاني أن يكون الفعل الذي قبل حتى والذي بعدها واقعين جميعا فيقول القائل سرت أمس نحو المدينة حتى أدخلها ويكون السير والدخول وقعا ومضيا كأنه قال سرت أمس فدخلت وعلى هذا أيضا قوله: {حتى يقول الرسول} معناه حتى قال الرسول فرفع الفعل على المعنى لأن حتى وأن لا يعملان في الماضي وإنما يعملان في المستقبل. وأما وجها النصب فأحدهما كقولك سرت حتى أدخلها لم يكن الفعل واقعا معناه سرت طلبا إلى أن أدخلها فالسير واقع والدخول لم يقع فعلى هذا نصب الآية وتنصب الفعل بعد حتى بإضمار أن وهي تكون الجارة كقولك أقعد حتى تخرج المعنى إلى أن تخرج. والوجه الثاني أن تكون حتى بمعنى اللام التي هي علة وذلك مثل قولك أسلمت حتى أدخل الجنة ليس المراد إلى أن أدخل الجنة إنما المراد لأدخل الجنة وليس هذا وجه نصب الآية.
|